تخيل: يومٌ بلا فيزياء

♠ Posted by Chefcahouni in
كتابة: لمياء أحمد بن إبراهيم.
مراجعة: عبدالحميد شكري

.

يتذمر ويشتكي الكثير من الناس من الفيزياء، ويرى أنها صعبةٌ ومعقةٌ لا فائدة منها. بل قد يقول البعض: هي مادةٌ تدرس على مقاعد الدراسة فقط، ولن أستفيد منها في حياتي المستقبلية. بل قد يلقي البعض باللوم على هذا العلم وأنه سبب فشله ويقول متمنياً: كنت أتمنى لو أن نيوتن أكل تفاحته ولم يكتب قوانينه هذه.
إذاً لك ذلك. دعنا نستعرض الحياة اليومية، وتخيل أنك ستقضي يوماً من غير فيزياء! هل تستطيع فعل ذلك حقاً؟!
انظر حولك الآن، ستجد جهاز التكييف والتلفاز والمصابيح المضاءة، حتى كأس الماء البارد ما كان ليكون بارداً لولا الفيزياء. بجلوسك الآن على الكرسيّ وأنت تقرأ هذا المقال، فأنت في الحقيقة تطبق قانوناً من قوانين الحركة، ألا وهو قانون نيوتن الثالث، بل حتى عند النظر بعينيك للمقال ستجد الفيزياء تفسر ذلك الإبصار واقفاً خلفه ابن الهيثم، ناهيك عن الهاتف الذكي أو الحاسوب المحمول الذي تمسكه بيديك الآن هو نتاجٌ ومحصلةٌ لقوانين لفيزياء. فلن تستطيع الوصول إلى المقال ولا إلى بريدك الإلكترونيّ، ولا أيٍّ من المواقع التي تستعرضها يومياً من غير هذا العلم. فلو لم تكن هناك فيزياء الكهرومغناطيسية والكم والبصريات لما كان هناك إنترنت. ولكنت الآن عالقاً مع الحمام الزاجل وتنتظر رسل الأحصنة لإيصال البريد ومعرفة الأخبار!
إن ذهبت إلى المستشفى بسبب كسرٍ في العظام سيطلب منك الطبيب أولاً عمل الأشعة السينية. وإن أرادت الأم الاطمئنان على صحة الجنين سيطلب منها الطبيب إجراء الأشعة فوق الصوتية. وهناك أيضاً العلاج الإشعاعيّ الذي هو أحد العلاجات المقترحة لعلاج السرطان، والليزر بالطبع لعلاج الكثير من الأمراض منها أمراض العيون وايقاف النزيف، وهناك أيضاً جهاز الرنين المغناطيسيّ المرتبط بميكانيكا الكم، بل حتى قياس ضغط الدم لن يكون متاحاً لولا الفيزياء. فالطب أيضاً مدينٌ للفيزياء، ولولاها لكان الطب تحجيماً وأعشاباً كما كان الوضع قبل مئات السنين.
أما بالحديث عن المحرك الرئيسيّ في الحياة ألا وهو الكهرباء، فلا مجال كان سيقوم لولا الفيزياء، بدءاً من المجال الصحيّ والصناعيّ والمجال المنزليّ المحيط بك ومجال الاتصالات وفي القطاع التجاريّ والمجال التعليميّ وغيرها. وبالحديث عن الطاقة، فالنفط عند استخراجه تتم معالجته إلى حدٍ كبيرٍ استناداً على الأفكار القائمة على الفيزياء، وإنشاء المحطات النووية، وعملية الاستفادة من الطاقة الشمسية عن طريق الخلايا الشمسية، بل حتى طواحين الهواء قائمةٌ على الفيزياء.
وعندما يتعلق الأمر بالمواصلات فلقد كان من المستحيل في سابق العصر أن يتمكن الإنسان من الطيران، وفهمنا لهذا العلم هو ما مكننا من إنشاء الطائرات والقطارات والسيارات وصولاً إلى المركبات الفضائية ورحلات الفضاء. فمن دونه لكنّا الآن نمتطي الأحصنة بدلاً من السيارات والقطارات براً، ولكان الإبحار هو وسيلتنا الوحيدة للسفر كما كان يفعل أسلافنا.
أما بالنسبة إلى العمران وإنشاء المباني، فالفيزياء ضروريةٌ عند دراسة وتحديد البنية الأساسية للمبنى. وذلك من خلال تأثير الحرارة والضوء والماء على الهيكل، لجعْله آمناً وصامداً أمام الكوارث الطبيعية كالزلازل.
أما الاقتصاد الذي هو عصب الدول فهو يعتمد على الفيزياء كذلك. فالاقتصاد يستفيد من الفيزياء الإحصائية عن طريق النظريات التحليلية. وليس ذلك فحسب، بل إن الفيزياء باعتبارها علماً أساسياً بين العلوم الطبيعية يعتمد عليها السوق الأوروبيّ. فلقد نشرت الجمعية الفيزيائية الأوروبية تقريراً بعنوان: “أهمية الفيزياء في اقتصاد أوروبا”. ويكشف هذا التقريرعن الأهمية الكبيرة للفيزياء التي أدت إلى تنمية الاقتصاد الأوروبيّ، فكيف للفيزياء أن تؤثر في اقتصاد أوروبا؟!
للإجابة على هذا السؤال، كلفت الجمعية الفيزيائية الأوروبية مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال بإجراء تحليلٍ اقتصاديٍّ مستقلٍ عن مدى تأثير الفيزياء على الاقتصاد. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إجراء مثل هذه الدراسة على هذا النطاق الواسع، حيث تغطي الدراسة 29 بلداً أوروبياً (متضمنةً النرويج وسويسرا)، وأخذت الدراسة الفترة ما بين عام 2007-2010مـ وكانت النتائج كالتالي:
*ولدت 3.8 تريليون يورو من قيمة التداول، أي حوالي 15% من إجماليّ قيمة التداول في اقتصاد الأعمال في أوروبا، وتجاوز المساهمة التي يقدمها قطاع التجزئة بأكمله.
* وجود أكثر من 15 مليون وظيفةٍ لأكثر من 13% من إجماليّ العمالة في أوروبا.
فأنا لا أبالغ حين أقول أن الرجال الأكثر شهرةً في عصرنا مثل بيل غيتس وستيف جوبز ربما لم يكونوا كذلك من غير التقنية التي تحققت بفضل الفيزياء. فاقتصاد الدول يعتمد على الابتكارات والتقنية التي هي امتدادٌ لهذا العلم. ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية بدأت تتبنى سياسة الاقتصاد القائم على المعرفة، وتطمح للمشاركة في تطوير الصناعة الفيزيائية بدعمها للتقنية النانونية في الجامعات ومراكز الأبحاث، ولكننا بحاجةٍ ملحةٍ لدعمها صناعياً وتجارياً أيضاً.
لكن ينبغي أن نشير من باب الموضوعية أن مجالات الفيزياء ليست من تساهم بشكلٍ مباشرٍ في التنمية والتطوير. ولا تساهم بشكلٍ منفردٍ، بل هي متكاتفةٌ جنباً إلى جنب مع بقية العلوم والمجالات والتخصصات. والآن، تخيل كم كانت لتكون الحياة مختلفةً تماماً من غير الفيزياء! هل كنت لتتمكن من قراءة هذه السطور على الأقل؟
فيزياء الكهرومغناطيسية (Electromagnetic Physics)
فيزياء الكم (Quantum Physics)
فيزياء البصريات (Physics Optics)
الأشعة فوق الصوتية (Ultrasound)
العلاج الأشعاعي (Radiotherapy)
الفيزياء الإحصائية (Statistical Physics)
الجمعية الفيزيائية الأوروبية (European Physical Society)
مركز أبحاث الأقتصاد والأعمال (The Center for Economics and Business Research)
الحاسوب المحمول (laptop)

كيف أنقذ النيوترينو أسنانك من التسوس؟

♠ Posted by Chefcahouni in

تقوم تريليوناتٌ من جسيمات النيوترينو التي توّلدت في مركز الشمس بالتدفق عبر جسدك في كل ثانيةٍ. إلا أنها لا تؤذيك، لأن هذه الجسيمات الأولية الشبحية لا تتفاعل أبداً مع المادة تقريباً. ولكن على الرغم من ذلك، يذكر الفلكيون أن جسيمات النيوترينو شكلت معظم الفلور في الكون، وهو عنصرٌ يُضاف إلى معجون الأسنان والماء لمحاربة التسوس، والذي بقي أصله الكوني .لغزاً لفترةٍ طويلةٍ
شكلت النجوم معظم العناصر الكيميائية بطريقةٍ أو بأخرى. يقع الفلور بين الأوكسجين والنيون في الجدول الدوري بامتلاكه العدد الذري تسعة، إلا أنه أقل ندرةً منهما. حيث تقوم النجوم الكبيرة بصنع كمياتٍ هائلةٍ من الأوكسجين والنيون خلال حياتها ثم تقذفها في الفضاء عندما تنفجر، وهذا سبب شيوع كلاً من العنصرين: إذ يعد الأوكسجين العنصر الثالث الأكثر وفرة في الكون بعد الهيدروجين والهيليوم، ويحتل النيون المرتبة الخامسة أو السادسة. في المقابل، يعد .الفلور نادراً جداً لدرجة أنه لا يقع ضمن أعلى عشرين عنصراً
إلا أن هنالك فلكيان ذهبوا للبحث عنه، وهما كاثرين بيلاتشوسكي من جامعة إنديانا في مدينة بلومنغتون وكاميرون بيس من جامعة جنوب يوتاه في مدينة سيدار سيتي. فقاما بمسح 79 نجماً للبحث عن غاز خطيرٍ يدعى فلوريد الهيدروجين باستخدام منظار قطره 2.1 متر في أعلى قمة كيت في أريزونا، والذي يحتوي على العنصر. يقول بيلاتشوسكي: “شيءٌ فظيعٌ”، فاستنشاق الغاز قد يكون مميتاً. إلا أنه يمتص الأشعة تحت الحمراء وبهذا يترك علامةً على طيف النجم والتي يأمل الفلكيان أن يروها.
لقد اكتشف الباحثان الغاز في 51 نجماً من أهدافهم، وهو حتى الآن أكبر عددٍ من النجوم العادية حيث شُوهد الفلور. وكما يذكر كلاً من بيلاتشوسكي وبيس في إصدار سبتمبر من الدورية الفلكية، أن وفرة الفلور التي قاموا بقياسها عاليةٌ جداً لدرجة أن جسيمات النيوترينو يجب أن تكون قد شكلت الكثير منه خلال انفجارات مستعرٍ أعظم. فعندما ينفجر نجمٌ كبيرٌ فإنه يطلق 1058 نيوترينواً ذات طاقةٍ عاليةٍ جداً لدرجة أنها تزيح برتوناً أو نيوتروناً لخارج نواة النيون في بعض النجوم، لينتج الفلور. واستنتج الفلكيان أن هنالك عملياتٌ أخرى تنتج الفلور أيضاً، ولكنها ليست كافيةً لتفسير وفرةٍ كهذه.
يقول الفلكي هينريك جيونسون من مرصد لند في السويد، والذي لم ينخرط في الدراسة: “إنها حقا خطوة كبير للأمام.” ويقول جونسون أن حجم عينات بيلاتشوسكي وبيس الهائلة تقوي استنتاجاتهم. وهذا ثناءٌ مهمٌ، لأن النتيجة الجديدة تبدو أنها تعارض عمله نفسه، والذي عثر على وفرةٍ أدنى من الفلور في عددٍ أقل من النجوم. هذه الوفرة القليلة تشير إلى احتمالية تشكل كل العناصر داخل النجوم التي لم تنفجر عن طريق التفاعلات النووية التي لا تشمل النيوترينو. وتكون هذه النجوم المعروفة بالنجوم العملاقة المقاربة ساطعةً، وهي نجومٌ متقدمةٌ في العمر وتحرق كلاً من الهيدروجين والهيليوم، ولقد رصدها الفلكيون وهي تقوم بصناعة الفلور. وعندما تموت هذه النجوم، فإنها تقذف طبقاتها الخارجية والفلور المصنوع حديثاً فيها إلى المجرة ككل.
هل كمية الفلور في النجوم ضخمةٌ أم ضئيلةٌ إذاً؟ قد تتوقف الإجابة على من يحدد درجات حرارة النجوم بشكلٍ صحيحٍ. ولأن جزيئات فلوريد الهيدروجين تتحلل عند درجات الحرارة العالية، تظهر أطياف النجوم الأكثر سخونة كميةً أقل من الغاز مما تظهره تلك النجوم الأكثر برودة، حتى وإن احتوت النجوم الأكثر سخونةً على نفس كمية الفلور. ولهذا يجب على الفلكيان أن يعرفا بالضبط مدى سخونة النجم لاستنتاج وفرة الفلور بثقةٍ. وفي هذا الصيف، استخدم جيونسون منظاراً أكبر في قمة كيت والذي يبلغ قطره 4 أمتار لرصد 100 نجمٍ تقريباً، ويأمل أن يقوم بقياسٍ دقيقٍ لدرجات الحرارة ووفرة الهيدروجين والفلور فيها جميعاً.
يعتقد فيرن سميث أن الدراستين تشيران إلى أن كلاً من مصدري الفلور مهمين، وهو فلكيٌ في مرصد الفلك البصري الوطني توكسون أريزونا، والذي لم يكن جزءاً من أيِّ من مجموعتي البحث. إذ يظن أن نيوترينو المستعر الأعظم يشكل ما بين نصف إلى ثلثي فلور الأرض. وفي هذه الحالة، تستطيع أن تشكل الجسيمات التي لا تفعل شيئاً عادةً على عدم حصولك على
.التسوس قط

.(المصدر (السعودي العلمي
نيوترينو (neutrino)
كاثرين بيلاتشوسكي (Catherine Pilachowski)
كاميرون بيس (Cameron Pace)
قمة كيت (Kitt Peak)
فلوريد الهيدروجين (hydrogen fluoride)
المجلة الفلكية (The Astronomical Journal)
المستعر الأعظم (supernova)
هينريك جونسون (Henrik Jönsson)
مرصد لند (Lund Observatory)
فيرن سميث (Verne Smith)
مرصد الفلك البصري الوطني (National Optical Astronomy Observatory)